الأربعاء، 25 فبراير 2009

فكرة الحج الى موقع مقدس



من المعروف أن الحج فرض عين - مرة في العمر - على كل مسلم قادر بالغ.. غير أن فكرة الحج نفسها (أو شد الرحال إلى موقع مقدس) طقس جماعي قديم يوجد حتى اليوم في ثقافات وديانات عديدة.. فكلمة الحج - رغم ارتباطها بالركن الخامس من الإسلام - تعني في لغة العرب «اتخاذ درب معينة» أو «قصد مكان خاص» لا يرتبط بالضرورة بمكة المكرمة.. وقد استعملت كثيراَ بهذا المعنى في تراث العرب ودواوينهم الأولى - بل وفي القرآن نفسه مثل قوله تعالى (وأذن في الناس بالحج) و(الحج أشهر معلومات) يقصد بها شوال وذو القعدة وذو الحجة...
وبناء عليه، حين نتحدث عن الحج (في هذا المقال) لا نعني فريضة الحج التي أقرها الله على المسلمين بل فكرة الذهاب ذاتها وقصد مواقع يعتقد أصحابها أنها مقدسة أو مباركة..
فالحج لدى النصارى مثلا تبلور بعد 100 عام تقريبا من رفع عيسى عليه السلام. وفي البداية كانوا يقصدون بيت المقدس فقط ثم أصبحوا يحجون الى القسطنطينية وروما وأضرحة القديسين المشهورين (كالقديس باتريك في ايرلندا وكومبوستيلا في أسبانيا وبيكيت بجنوب انجلترا)...
أما العرب فكانوا يحجون لمكة- ويطوفون حول الكعبة- منذ بناها إبراهيم الخليل عليه السلام.. وهذا الأمر أثار حسد أبرهة الأشرم (الذي حكم اليمن بإسم النجاشي) فبنى شبيها لها أسماها «القليس» ودعا العرب لزيارتها. غير أن محاولته هذه لم تغرهم بالحج الى اليمن فجهز جيشا عظيما لغزو مكة وهدم الكعبة (.........)
.. أما في الشرق البعيد فتملك الديانات الكبيرة مواقع حج مقدسة تجتذب ملايين المؤمنين في أوقات محدودة أو مفتوحة.. ففي الهند مثلا هناك مايعرف بالمدن الأربعة المقدسة (هارودار وناسيك وأوجان واللهباد). وهي مواقع تستقطب ملايين الحجاج الهندوس كل ثلاثة أعوام (بحيث لايعاد الحج لأول مدينة إلا بعد 12 عاماً). وفي (عام 1989) قال كتاب جينيس للأرقام القياسية ان عدد الحجيج في اللهباد وصل الى 25 مليون نسمة كأكبر تجمع بشري في التاريخ (وهو عدد يفوق سكان مجلس التعاون مجتمعين)!!
.. أما في اليابان فهناك «مزارات أيسو» المكرسة لتكريم آلهة الشمس التي تنحدر منها العائلة الإمبراطورية (حسب اعتقاد المؤمنين بديانة الشنتو الرسمية). وفي عام 600 اكتسب الموقع صفة القداسة حين أعلنه الامبراطور تيمو «أعظم مزار في اليابان» وقرر الحج إليه كل عام . وطوال الألف عام التالية كان الحج الى أيسو حكرا على العائلة الامبراطورية حتى فتح أمام العامة عام 1600، ومنذ ذلك الحين أصبح يستقطب آلاف الحجاج والزائرين وبلغ مجموع زواره عام 2005 أربعة ملايين شخص!
.. أما في إيران فما يزال أتباع زاردشت يحجون الى عين ماء مقدسة تدعى تشك شك (وتعني بالفارسية القديمة قطرة قطرة).. والمفارقة هنا أن غزو المسلمين لفارس بقيادة سعد بن أبي وقاص كان السبب في ظهور هذا الموقع واكتسابه صفة القداسة. فالرواية الزاردشتية تقول ان جيش المسلمين أسر ابنة الامبراطور يزدجر الثالث وسجنها في كهف خارج بلدة يازد. وأثناء وجودها في الأسر لم تكف عن الصلاة لزاردشت كي ينقذها ويأخذها لجانبه.. وقد استجاب لصلاتها فانشق الجبل وابتلعها وفجر مكانها عين ماء مقدسة.. ومنذ ذلك الحين وفي شهر يونيو من كل عام يغص المكان بآلاف الحجاج الذين يتبركون بجدران الكهف ويشربون ويغتسلون من عين الماء...!!!
.. وفي الحقيقة يخطئ من يظن أن فكرة الحج ذاتها قديمة أو اختفت هذه الأيام.. ففي القرن العشرين وحده ظهر أكثر من 1700 موقع حج جديد مايزال معظمها ناشطا حتى اليوم (كضريح القديس زافيير في الهند وكهوف باتو في ماليزيا وكنيسة لييزيه بفرنسا وقرية فاتيما في أسبانيا وجبل لودوز في البيرو وخليج نوك بإيرلندا).. ومعظم هذه المواقع إما أضرحة لقديسين أو حفريات جديدة مقدسة أو مواقع شهدت تجسيدا خارقا كادعاءات ظهور مريم العذراء!!
.. وتوالي ظهور هذه المواقع المقدسة (وعدم انقطاعها منذ القدم) دليل على أصالة فكرة «القصد» أو «الحج» في المفهوم الديني وتبلورها كطقس تعبدي أساسي بصرف النظر عن هوية الدين نفسه.
فهد عامر الأحمدي
الأربعاء 15 رجب 1427هـ - 9 أغسطس 2006م - العدد 13925

Related Articles :


Stumble
Delicious
Technorati
Twitter
Facebook

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

مدونة جميلة جدآ o-0

إرسال تعليق

Search Engine Optimization Articles

فيديو

أحدث التعليقات

الأكثر إرسالا

 

√ حول العالم ♣ Copyright © 2010 is Designed by Lasantha

Mesothelioma Cancer