الخميس، 16 أبريل 2009

التحكم بالتيمو


مايبدو لي أنني كنت في سنوات المراهقة أكثر عزيمة وقوة من الآن .. كنت مهووساً بأهمية الانضباط وتطوير الذات وقدرة الجسد على التحمل . وكجزء من تربية النفس كنت لا أستعمل السخان للاستحمام وأغتسل بالماء البارد في عز الشتاء .. وكنت كثيراً ما استيقظ قبل صلاة الفجر بفترة كافية واتعمد عدم فتح صنبور المياة الساخنة والدخول فجأة تحت صقيع المياة الباردة (وهو تصرف لا أجرؤ على تكراره اليوم) .. وحينها حذرني الجميع بأن هذا التصرف سيصيبني بشتى الامراض والعلل لكن الحقيقة هي أنني لم أصب يوما بالبرد أو الزكام ومازلت حيا إلى الآن ...

وكنت حينها ومازلت على قناعة بأن الاستحمام بالماء بالبارد يزيد من قدرة الجسم على التحمل ويرفع معدل كريات الدم البيضاء في الجسم .. وارتفاع نسبة الكريات البيضاء يضاعف بدوره من مناعة الجسم ومقاومة الأمراض ويضفي على المرء شعوراً بالصبر والتحمل . وهناك نوع من العلاج الطبيعي له نتائج سريعة ومباشرة يعتمد على الغطس في بركة مثلجة بعد أخذ حمام سونا ساخن وهو إجراء لا يقدر على تحمله كل إنسان ...

وتجربتي الشخصية تثبت أن الأمر ليس إلا مسالة تعود وتأقلم على هذا النوع من الممارسة . فأهالي روسيا والسويد والنرويج لا يتضررون من الغطس في البحيرات الجليدية بسبب تعودهم على ذلك منذ الطفولة .. وكل عام تجري في تلك الدول مسابقات للأكثر بقاء وتحملاً للمياه المثلجة يفوز الرابح فيها برحلة مجانية إلى أي دولة يختارها على خط الاستواء !!

… أيضا هناك قبائل الأسكيمو في ألاسكا الذين تأقلموا بشكل مدهش مع الأجواء الباردة ويستطيعون تحمل درجات حرارة متدنية تسبب الوفاة لرجل يعيش في ليبيا أو عمان .. وهناك قبيلة تدعى ألونيت يمكن لأطفالها السباحة في المياه المثلجة واللعب عراة "تحت الصفر" دون مشاكل تذكر .. وفي عام 1987 لم يصدق العالم عينيه حين قطعت فتاة من هذه القبيلة مضيق بيرمنج بين آلاسكا وروسيا في فصل الشتاء . كان اسمها كوكيس لين وتبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً وسبحت لمدة ثلاث ساعات في درجة حرارة أربعة تحت الصفر !!

أما في التيبت فيعيش الرهبان أشهر الشتاء (وعلى ارتفاع 15000 قدم) مكتفين برداء أحمر خفيف. وكانت الرحالة الاكسندرا انيل أول من لفتت الانتباه عام 1920 إلى قدرة الرهبان العجيبة على تحمل البرد القارس فوق هضبة التيبت (التي تسمى سقف العالم) . وقالت إن هذه الموهبة تعود إلى تمارين تأملية خاصة تتيح لهم توليد حرارة داخلية تدعى التيمو Temo . وتتم تنمية هذه المقدرة لدى صغار الرهبان من خلال الغطس في برك مثلجة ثم الخروج منها والبقاء في العراء حتى يجف الرداء .. وفي عام 1981 أجريت أول دراسة موثقة لهذه الظاهرة من قبل كلية الطب في جامعة هارفارد اكتشفت قدرة الرهبان العجيبة على التحكم بالأوردة السطحية ، وزيادة ضربات القلب ، بحيث يندفع أكبر قدر من الدم لسطح الجلد فتحصل التدفئة الذاتية أو التيمو حسب تسمية أهالي التيبت ( والتي لاتختلف عن ما يسمى طبيا رد الفعل الانعكاسي الذي يمرن عليه بعض المرضى للتحكم بضغط الدم وضربات القلب)!!

... ما أعرفه جيدا أنني فقدت التحكم بالتيمو منذ فترة طويلة وأصبحت أصاب بالزكام في الصيف والشتاء ...

الخميس 20 ربيع الآخر 1430هـ - 16 ابريل 2009م - العدد 14907

Related Articles :


Stumble
Delicious
Technorati
Twitter
Facebook

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Search Engine Optimization Articles

فيديو

أحدث التعليقات

الأكثر إرسالا

 

√ حول العالم ♣ Copyright © 2010 is Designed by Lasantha

Mesothelioma Cancer