السبت، 2 مايو 2009

بعيداً عن أعين الدستور


قبل مائة عام تقريبا اكتشف عالم التخدير الأمريكي تس هاوس مادة السكوبولامين المخدرة . وقد دعاها "مصل الحقيقة" بسبب قدرتها على إجبار الناس على قول الحقيقة مهما كانت مضرة أو مؤذية لهم .. وخلال العقود التالية اكتشفت مواد مماثلة تملك نفس التأثير وتحول الانسان الى ثرثار كبير مثل الأميتال والدسكبلين وبنتوثال الصوديوم ..

ورغم أن هذه المواد تحد من قدرة المرء على الكذب وكتم الأسرار إلا أنها لم تعد اليوم مقبولة لإدانة المتهمين . فهي مثلا تسبب خلطا بين "الحقيقة" و "الرغبة" و "الخيال" مما يؤثر في مصداقية الاعترافات . كما تجعل الإنسان في حالة لاواعية لا يميز خلالها بين ما وقع فعلا ، وبين ما يرغب ويتمنى وقوعه .. أضف لهذا أن من يعانون من المازوشستية ( أو حب تعذيب الذات ) قد يعترفون بجرائم لم يرتكبوها في حين قد يعمد المضطربون نفسيا إلى اتهام غيرهم بارتكابها !!

... والحديث عن أمصال الحقيقة يقودنا للحديث عن وسيلة نفسية أخرى نعرفها باسم "التنويم المغناطيسي" .. فرغم أن التنويم المغناطيسي يستعمل غالبا لمساعدة "الضحية" على التذكر والتنفيس إلا أن له أيضا مشاكله العديدة .. فهو بدوره اسلوب لاواعٍ قد يضيف للحقيقة معلومات مغلوطة أو مخاوف مكبوتة .. كما أن فقدان المنَوم لملكة التمييز قد تجعله يتأثر بما يسمعه أو يقرأه عن الجريمة فيتحدث بما تنشره وسائل الإعلام كوقائع وحقائق ثابتة !!

... وكانت السلطات الأمريكية قد وقعت في هذا المأزق الأخلاقي حين فكرت باللجوء إلى "أمصال الحقيقة" و"التنويم المغناطيسي" لانتزاع الاعترافات من المتهمين (بعد تفجيرات سبتمبر 2001) . فرغم براعة أجهزة العالم الثالث في استخلاص أي اعتراف يناسبها تحت التعذيب إلا أن الدستور الأمريكي لا يجيز هذه الطريقة داخل الأراضي الأمريكية . وهكذا عانت الأجهزة الأمريكية من صمت المعتقلين الأجانب وتمسكهم بحقوقهم التي كفلها القانون والدستور .. فبعد حادث التفجير الشهير قبضت السلطات الفيدرالية على أربعة مشتبهين رئيسيين يعتقد انهم اعضاء في منظمة القاعدة (زكريا موسى، وأيوب خان، ومحمد جويد، ونبيل رابح) ولكنهم اضربوا عن الكلام ولم تفلح أي وسيلة حضارية في حملهم على الاعتراف .. وحينها ادعت صحيفة الواشنطن بوست أن المحققين فكروا باللجوء الى أربعة خيارات لحمل المتهمين على الاعتراف هي : استعمال العقاقير الطبية والتنويم المغناطيسي / أو ترحيلهم إلى دولة صديقة (كإسرائيل) تبيح التعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة / أو التحقيق معهم خارج الأراضي الأمريكية بعيدا عن سلطة القانون والدستور ...

وماهي إلا أشهر قليلة حتى أثبت الواقع تبني السلطات الأمريكية للخيار الثالث حيث أعلنت عن ترحيل الأسرى والمعتقلين إلى منطقتها المحتلة في جزيرة كوبا .. الى معسكر غوانتانامو الذي أمر أوباما بإغلاقه حيث كل شيء جائز ومقبول بعيدا عن أعين الدستور!

فهد عامر الأحمدي

Related Articles :


Stumble
Delicious
Technorati
Twitter
Facebook

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Search Engine Optimization Articles

فيديو

أحدث التعليقات

الأكثر إرسالا

 

√ حول العالم ♣ Copyright © 2010 is Designed by Lasantha

Mesothelioma Cancer