الثلاثاء، 13 يوليو 2010

الوجه المشرق في ... جدة


    أستأذنكم اليوم في العودة إلى كارثة جدة .. في العودة للبحث عن وجه مشرق لحدث مظلم .. في البحث عن جانب إيجابي يصعب الحديث عنه فور وقوع الكارثة وفقدان عشرات الضحايا ..

فكارثة جدة كشفت مثلا عن المعدن الأصيل لشباب وشابات هذا البلد ممن هبوا للمساعدة والمشاركة في حملات التطوع دون نداء رسمي أو تنظيم مسبق (وهو ما يذكرنا بمبادراتهم للتطوع في الجيش إذبان أزمة الخليج الأولى) .. كما كشفت عن حب أبناء هذا الوطن للخير (بما في ذلك رجال الأعمال) وأن كافة الفروق المصطنعة بيننا لا تساوي صورة طفلة جرفتها الأمطار!!

كما فضحت كارثة جدة عشوائية التخطيط في مدننا كافة وكيف أنها لا تعاني فقط من ضعف البنية التحتية ، بل وتتجاهل أبسط مبادئ الهندسة المدنية .. فأي عقل هذا الذي يُخزن مياه الصرف في "بحيرة" ترتفع فوق مستوى جدة ب120 متراً ، وأي "تعليم" هذا الذي يسمح بالبناء في أودية رسمت السيول تضاريسها منذ آلاف السنين (والمخجل أكثر أننا لم نسمع عن مسؤول أو مهندس استقال أو انتحر أو حتى توارى خجلا لهذا السبب)!!!

كما أثبتت كارثة جدة أننا نعيش في عصر يصعب فيه مداراة الأخطاء وستر العيوب وادعاء غير ما يحصل؛ فالمناظر التي رأيناها على موقع "اليوتيوب" ، والنقاشات التي دارت في المنتديات و"الفيس بوك"، ومجاري السيول المسروقة التي رآها العالم عبر "جوجل إيرث"... كلها تثبت أننا نعيش زمن الإعلام الشعبي (وعولمة الخبر والصورة)،بحيث لا نملك غير الاعتراف بالأخطاء والمسارعة لإصلاحها وإلا ستتحول أي وعود وتصريحات إلى مجرد كذبة ثانية...

أيضا كشفت كارثة جدة عن حجم مبالغتنا وتعالينا وشكوكنا تجاه العمالة الوافدة لدرجة جعلناهم شماعة لكل التجاوزات القانونية والأخلاقية في حين أن غالبيتهم شرفاء ومسالمون ويملكون نخوة الأبطال.. فالباكستاني فرمان علي خان أنقذ 14 روحا ومات دون معرفة جنسياتهم، وسائق "الشيول" المسيحي سحب عدة عائلات من مجرى السيل ثم مضى بحاله دون السؤال عن دياناتهم (وفي المقابل أستغرب من عدم ظهور أي تكريم رسمي يثبت وفاءنا تجاههم)!

أيضا كشفت كارثة جدة عن ضرورة تطوير مهارات الدفاع المدني والهلال الأحمر ،حيث أثبت " بعض أبناء البلد" أنهم أكثر كفاءة من بعض المنتسبين لهذين القطاعين .. كما أظهرت أهمية وضع خطط وطنية مسبقة لمواجهة الكوارث والأزمات بشتى أنواعها .. كما كشفت عن غياب أي تنسيق فيما يخص أعمال التطوع واستدعاء أصحاب التخصصات (مثل الأطباء وسائقي المعدات الثقيلة) عند الحاجة إليهم.. كما أثبتت عدم وجود معايير لتنظيم حملات التبرع الشعبية بعد كوارث من هذا النوع (فما الذي منع مثلا من تنظيم حملة تبرعات لسيول جدة مثل حملة التبرعات لتسونامي سومطرة)!!

أما محور الموضوع (الذي احتفظت به لآخر المقال) فهو أن كارثة جدة كانت سببا في فضح الفساد وظهور أول اعتراف رسمي بوجود تلاعب واختلاس للمال العام .. وهو اعتراف منح "أبا متعب" تقديرا فوق تقدير ورفع مستوى ثقة الشعب بقيادته العليا (خصوصا بعد القبض فعليا على عدد من المسؤولين) .. أضف لهذا أنه كسر جليد الصمت وانقلب على العقلية القديمة المنادية بوجوب ستر الباطن وتزيين الظاهر وننتظر بالتالي فضح ما خفي أمره في الأمانات والوزارات والمدن الأخرى !!

أيها السادة :

إن كان لكارثة جدة وجه إيجابي فهو ضرورة تعلم الدرس، وعدم تكرار الخطأ، وعدم رؤية نفس الضحايا في مدن أخرى ... وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ..

Related Articles :


Stumble
Delicious
Technorati
Twitter
Facebook

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Search Engine Optimization Articles

فيديو

أحدث التعليقات

الأكثر إرسالا

 

√ حول العالم ♣ Copyright © 2010 is Designed by Lasantha

Mesothelioma Cancer